السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يقول الإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي:
ج ن ن – جَنَّ عليه الليلُ وجَنَّه الليلُ يَجُنُّه بالضم جُنُوناً وأجَنَّهُ مِثْلُهُ. والْجِنُّ ضِدُّ الإنْسِ الواحد جِنِّيٌّ قِيلَ سُمِّيَتْ بذلك لأنها تُتَّقَى ولا تُرَى. وجُنَّ الرَّجُلُ جُنُوناً وأَجَنَّهُ اللهُ فهو مَجْنُونٌ ولا تَقُلْ مُجَنٌّ وقَوْلُهم لِلْمَجْنُونِ ما أَجَنَّهُ شاذٌّ لأنه لا يقال في المضروب ما أضربه ولا في المسلولِ ما أَسَلَّهُ فلا يقاس عليه.
وأقول: من هذا التعريف نرى أن جنونا مصدر وليس بجمْعٍ وأيضا نرى أن الْجِنَّ هو جمْع ومفرده جِنِّيّ. كذلك يخبرنا الإمام بمعنى كلمة جَنَّ وهو اتَّقَى أيْ أن يجعل شخْصٌ شيئاً وِقايةً له من شيء آخر (وأيضا حَذِرَ وتَجَنَّبَ) ولذلك لا نرى الجنَّ فيُتَّقَى من نظرنا أو يتجنبه – إن صَحَّ التعبير - ويضيف الإمام خصوصية صرفية ومعنوية لكلمة مجنون حيث يحيطنا علْماً بأن على الرغم من أن نقول أَجَنَّهُ اللهُ فلا يمكننا أن نقول للمفعول مُجَنٌّ على وزْن مُفْعَلٌ بل نقول مجْنون على وزْن مفعول وأن هذا المعنى على هذا الوزْن شاذّ لُغَويّ أي واقع لغوي استثنائيّ ويبرّر قوله بالإشارة إلى أن المضروب ليس مَن أو ما أضْرَبَهُ أحَدٌ أو أن المسْلُولَ ليس ما أسَلَّهُ أحَدٌ …
ثم يقول الإمام:
وأَجَنَّ الشيءَ في صدره أكَنَّه وأجنَّتِ المرأةُ وَلَداً والْجَنِينُ الولدُ ما دامَ في الْبَطْنِ وجَمْعُه أَجِنَّةٌ والْجُنَّةُ بالضمّ ما اسْتَتَرْتَ به مِن سِلاحٍ والْجُنَّةُ السُّتْرَةُ والْجَمْعُ جُنَنٌ واستجَنَّ بِجُنَّةٍ اسْتَتَرَ بِسُتْرَةٍ والْمِجَنُّ بالكسر التُّرْسُ وجمعه مَجانُّ بالفتح والْجَنَّةُ البستانُ ومنه الْجَنَّات والعربُ تسمّي النَّخيلَ جَنَّةً والْجَنانُ بالفتْح القلْبُ والْجِنَّةُ الْجِنُّ ومنه قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ أَجْمَعين والْجِنَّةُ أيضا الْجُنُونُ ومنه قوله تعالى: أَم بِهِ جِنَّةٌ والاسم والمصدر على صورة واحدة.
وأقول:
يخبرنا المؤلف رحمه الله تعالى بأن لكلمة أجَنَّ معان متعددة منها الإكنان كما في قوله تعالى وإن ربَّك لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ وأَجَنَّتِ المرأةُ وَلَداً أي تحمله في بطنها والولدُ في بطْن أمه يُسَمَّى جَنيناً وجمْع الجنين أجِنَّةٌُ ويقول لنا المؤلف إن الْمُسَمّى الذي نستخدمه لِنَسْتَتِرَ - أو نحمي أنفسنا - من سلاحٍ هو الْجُنَّةُ ويُرادُ بـالْجُنَّةِ أيضا السُّتْرَة وجمْع الْجُنَّةِ هو جُنَنٌ والمقصود بـاسْتَجَنَّ بِجُنَّةٍ هو اسْتَتَرَ بِسُتْرَةٍ وكلمة الْمِجَنُّ بالكسر تعني التُّرْسَ وهو ما كان يُتَوَقّى به في الحرب وجمْع الْمِجَنّ هو مَجانُّ والْجَنَّةُ هي البستان وأن العرب يسمّون النخيلَ جَنّةً والْجَنان هو القلب والْجِنَّةُ هم الْجِنّ ويقول الله سبحانه وتعالى: من الْجِنَّةِ والنَّاس وتعني الْجِنَّةُ أيضا الْجُنُونَ وحُجَّتُه قوله تعالى: أَم بِهِ جِنَّةٌ والاسم والمصدر على صورة واحدة.
والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين …
يوسف علي عبد الله كولانجيلو
غرناطة – 15 ربيع الثاني – 1430 هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق